الفئران يا لتلك المخلوفات التي ما أن دخلت المكان حتى نفز لها واقفين على أعلى شيء وجد حولنا في المكان، تلك المخلوقات الصغيرة التي ما أن رأتها الأعين حتى علت الحناجر بالصراخ والإستنجاد للتخلص منها على وجه السرعة، تلك المخلوقات الصغيرة التي ما أن سمعت بحسيسها الأذنين حتى إنطلقت لصاحبها الساقين لتفر من المكان الذي شرفه دخول هذه الكائنات الصغيرة إليه. لما كل هذا أمن أجل مخلوق صغير، ذي فراء ناعمة ،وأذنين صغيرتين ،وذيل رفيع وعينن لامعتين يصنف بأنه من القوارض؟.. بالطبع نعم، ولكن ليس لأنه كائن لطيف، أوودود، أوبريء فالفئران كما يعلم كل من على وجه الأرض بأنها مصدر للأمراض وأهمها مرض الطاعون القاتل، وكما أن من طبيعة هذه المخلوقات أنها تعيث في المكان الذي تحل به الفوضى، والقلق، والإتلاف، ومايثير الإشمئزاز منها بأنه غالبا ماتعيش في المصارف الصحية، ومجمعات القمامة لذلك تعد الفئران عنصر ناقل للأمراض في الأماكن المأهولة بالسكان، ولاننسى أن نذكر بأن هذه الحيوانات تتسم بالذكاء والقدرة العالية على المراوغة والسرعة في الحركة والفقز الذي يجعل من ملاحقتها أمراً صعباً جدا، لذا عملية ملاحقة الفئران والتخلص منها في المنازل والمباني السكينية غالبا ماتكون بالعملية الفاشلة لذلك يستعين السكان بشركات مختصة بمكافحة الفئران بطرق إحترافية بإستخدامهم لسموم متنوعة خاصة بالقضاء على القوارض والتي تحتوي على مواد كيميائية منها أنواع عديمة الرائحة للبشر ولكن لها رائحة تشتمها القوارض وتجذبها لها لتتناولها كما أن لتلك الشركات طرق ناجحة يمارسها كادر من العمال مدربين على أفضل الطرق للوصول والقضاء على الفئران التي تحترف الإختباء والمراوغة في الهرب، وكما يقوموا بإستخدام المصائد المصممة خصيصاً للإمساك بها التي تتوفر بأشكال وتصاميم كثيرة. نعلم جميعا بأنه إذا دخلت الفئران المكان فإنها غالبا ما تباشر بقضم كل ماحولها وإن لم يكن بطعام ،فإن أسنانها القوية جداً تساعدها على قرض الأخشاب والبلاستيك الصلب وكما تكون الفئران أحياناً المسبب الرئيسي في إشعال الحرائق في المباني وذلك بسبب قرضها للبلاستك المحيط بالأسلاك الكهربائية مما يتسبب بتلامس أسلاك النحاس وحدوث إلتماس كهربي يؤدي إلى إشتعال النار، وكما تقوم بقرض الأقمشة والملابس وبالتالي إتلافها كما أنها تعد مصدر رعب لأصحاب المستودعات وذلك لأنها تتلف كل ما تحكم عليه أسنانها الصغيرة القوية فبالتالي يؤدي ذلك إلى خسائر مادية كبيرة إن لم يمكن السيطرة والقضاء عليها بشكل سريع. وعدا عن أنها تلتهم أو حتى تتذوق كل ماتجده من مواد غذائية حتى لو كانت مغلفة فهي ماهره بقضم أية مادة تواجه أسنانها ، لذلك وجود الفئران في المكان يعد غالباً مصدر قلق وإزعاج لبني البشر، ولكنه يعد دوماً مصدر سعادة للقطط التي تقفز فرحاً برؤية هذه المخلوقات التي تعتبرها من ألذ الوجبات لديها وتجري ورائها بكل ماأوتية من قوية لتضفر بصيدها ، لذلك يعتبر خيار تربية القطط في المنازل قراراً ممتازاً لحماية المنزل من أذى هذه المخلوقات الصغيرة. وكما ذكرنا سابقاً بأن الفئران هي مصدر لنشر الأمراض وأهمها وأخطرها على البشر هو مرض الطاعون الذي سمي في أوروبا قديماً بالموت الأسود، ذلك المرض الذي يصيب بنو البشر عن طريق البراغيث والبكتيريا التي تنقلها القوارض في فرائها أو في لعابها والذي يودي بمن أصابه إما للوفاة أو الإصابة بمرض إلتهاب السحايا أو الغرغرينة وهو تخثر الدم في الأطراف كاليدين والقدمين ولايمكن علاجها إلا بالبتر . ينتشر مرض الطاعون بين الناس عن طريق عدوى بكتيرية حادة تنتقل في المقام الأول عن طريق البراغيث التى تسكن فراء الفئران ، تصيب العدوى الأشخاص الذين تلدغهم البراغيث التي تتغذى على القوارض المصابة، أو عن طريق الإنسان الذي يتعامل مع الحيوانات المصابة وكما ينتقل عن طريق الملامسة المباشرة لجسم المصاب أو عن طريق إستنشاق الهواء الخارج منه لذلك وعلى مره العصور كان الحجر الصحي أول خطوة تتخذ في حق مرضى الطاعون، وكما ينتقل هذا المرض عن طريق تناول طعاماً ملوثاً قد مرت به الفئران أو تذوقته، ونذكر في هذا الموضوع بأنه قد حدث في أواخر القرن الرابع عشر أن إنتشر هذا الوباء في أوروبا إنتشار النار في الهشيم مما أودى بحياة مايقارب 50 مليون شخص عدى عن أنه خلف العديد من الإصابات التي نجت من الموت ولكن عانت من أعراض أخرى ،ولم تكن أوروبا المصاب الوحيد بهذا الوباء فعلى مر العصور إجتاح الطاعون العديد من المناطق ومنها أفريقيا التي تسبب بفناء سكان بعض القرى لعدم القدرة على السيطرة عليه وحدث هذا في عدة أزمنه فتاريخ أفريقيا مع الأوبئة طويل. ومنذ عدت أشهر أصيب عدد من الأشخاص في الكونغو بأعراض الطاعون ولكن لم يصنف على أنه وباء منتشر كما حدث في العقود السابقة. كما ذكر من قرابة العام ظهور حالات لمرض الطاعون في شمال الصين ولكن لم تكن بالحالات الخطرة فقد تم السيطرة عليها وأشرفت منظمة الصحة العالمية على وضع المرض وحجم تفشيه في تلك المنطقة وأكدت على أن مستوى الخطر فيه لم يكن كبير. أما في أستراليا ومنذ عدة أشهر فقد غزت البلاد مئات الآلاف ( بل أكثر من ذلك بكثير ) من الفئران وبالأخص في المنطقة الشرقية منها بولاية (نيو ساوث ويلز) إجتاحتها حاملة معها بكتيريا جديده تسمى ( بالتسالمونيلا) والتي وصفت بأنها من أخطر أنواع الطاعون في زمننا هذا. إنتشرت الفئران بإعداد مخيفه لم تعهدها المنطقه من قبل، جعلت من الوضع في شرقي أستراليا كارثياً خارجاً عن السيطرة وكما أدى هذا الغزو الغير مسبوق إلى حدوث أزمه إقتصادية ومعنوية لجميع سكان المنطقة، وبالأخص المزارعين الذين خسروا معظم محاصيلهم الزراعية وذلك بسبب هجوم الفئران بشكل وحشي على المحاصيل الزراعية وإلتهام أغلبها وبالذات محاصيل الحبوب منها فكانت خسائرهم جسيمه فقد خسروا محصول العام بأكمله. أما عن باقي السكان فلم يكن حالهم أفضل فقد إقتحمت الفئران المنازل وعاثت فيها الخراب والأذى والرعب في نفوس ساكنيها وأتلفت معظم ما أطبقت عليه بأسنانها وكما خلفت ورائها الفضلات التي هي مصدر للأمراض والإشمئزاز على حد سواء. كان وصف السكان لهذا المشهد بأنه أشد وباء وأخطر ماشهدته هذه المنطقة منذ زمن بعيد. وكما ذكر في هذا الحدث أن تلك المنطقة صنفت بأنها منطقة موبوءة وذلك لكثرة أعداد الفئران وإزيادها بشكل سريع وعدم القدرة على السيطرة عليها. لذلك أغلقت الفنادق أبوابها لعجزها عن إستقبال الزوار بسبب دخول الفئران لبناءها والتجول في أروقتها وغرفها وعجزهم عن السيطرة على الوضع، وكما إستقبلت المستشفيات بعض الحالات التي إصيبة بقرض الفئران فإتخذت بحقهم الفحوصات المناسبة للتأكد من عدم إصابتهم بمرض بالطاعون حرصا على عدم إنتشار المرض بين السكان ويصبح الوضع خارج عن السيطره من الجانب العلاجي . وذكر أحد المسؤولين في الحكومة الأسترالية أن الخسائر التي نتجت عن هذا الغزو للمنطقة الشرقية بتقديراتهم الأولية قد وصلت إلى أكثر من 70 مليون دولار والحصيلة في إزدياد. لذلك تبذل الحكومة الأسترالية حالياً جهداً كبيراً للقضاء على هذا الغزو الذي لم تعهده من قبل، ومن أهم إجراءاتها للقضاء على الفئران كان بإنها تقوم يومياً بقياس ورصد معدل نشاط الفئران وذلك من خلال مراكز مراقبة منتشرة في البلاد وخاصة في المنطقة الشرقية التي كان لها النصيب الأكبر من هذا الغزو، ويعود السبب في ذلك لوفرة المواد الغذائية المفضلة للفئران وهي مادة الحبوب التي تزرع بكثرة في المنطقة. كما أنشأت الحكومة الأسترالية تطبيق خاص للتبليغ عن وجود الفئران وذلك لتقوم برصد حركتها وقياس نشاطها يومياً، وكما أمرت بإستيراد كميات كبيرة من أقوى أنواع السموم الخاصة بالقضاء على الفئران وذلك لإنقاذ المنطقة بأسرع وقت ممكن حرصا منها على أن لاتصل الفئران لمدينة سيدني وبذلك يصبح الوضع أكثر كارثياً وتتوقع بأنه إن وصلت الفئران لسيدني فإن هذا الخطر سيؤثر على إقتصاد البلد لما لسيدني من مركز إقتصادي هام جداً فهي العاصمة الإقتصادية لأستراليا. وكما قامت الحكومة بتوزيع السموم التي وصلت أولاً على الجهات المختصة كشركات مكافحة القوارض والحشرات للمباشرة بالقضاء على الفئران بطريقتهم الحِرفية. وكما منحتها أيضاً للمزارعين ليساهموا في القضاء على الفئران ووقف الأضرار التي ألمت بمحاصيلهم الزراعية وممتلكاتهم الخاصة . وأضافت الحكومة على ذلك بعض التعليمات للسكان بشكل عام عن كيفية القضاء على الفئران ومحاربتها ومنعها من دخول منازلهم وممتلكاتهم. وذلك بوضع المصائد لها في الأماكن التي تتواجد بها وتنظيف المكان في الفوضوى فهي تتحصن بين الفوضى والقمامة وكما لفتت إنتباه السكان لجز الأعشاب المحيطة بالمنازل وذلك لمنع الفئران من تكوين المخابئ والأعشاش لها بين الأعشاب ،وأكدت في تعليماتها على ملاحقة أي آثار للفئران وذلك بسماع أصوات حركتها في المنزل أو البحث عن أي أثر تخلفه ورائها ووصول لها والقضاء عليها. ومازالت الحكومة الإسترالية إلى يومنا هذا وبالذات في ولاية نيوساوث ويلز تكافح من أجل الفتك بهذا المخلوق الضار للبشر والثمر والحجر. فهي تبذل قصار جهدها وتعمل على إنقاذ المنطقة بكل السبل والإمكانات وذلك من خلال توفير المواد الأولية للمختصين والمواطنين وتزويدهم بالتعليمات والطرق الفعالة لمكافحتها. وفي أحد اللقاءات التي أجريت مع أهلي نيوساوث ويلز قال أحدهم أن والده الذي تجاوز التسعين من عمره قد ذكر له بأن هذا الحدث لم يسبق أن رآه على مدى سنين عمره الطوال ووصفه بأنه حدث مخيف وكارثي . أين أنت ياعازف المزماريابطل قصة عازف المزمار والفئران..أين أنت لتنقذ أهالي نيوساوث ويلز من جيوش الفئران التي نهبتهم وأتلفت لهم زرعهم. تلك القصة التي أظن بأن أهالي المنطقة يتمنون وجود بطلها بينهم اليوم..تلك القصة التي إستمتعنا بسامعها في طفولتنا عن ذلك الشاب الذي كان يعزف في مزمار بنغم ساحر يجذب كل من يسمعه، كان يسكن هذا الشاب في مدينة إجتاحتها الفئران وعاثت فيها الفوضوى وأهلكت ساكنيها لكثرة ماكانت تنهب من طعامهم وتتلف لهم ممتلكاتهم، عرض ذلك الشاب خدماته على الحاكم بأن يخلص المدينة من كل تلك الجرذان والفئران ..رحب الحاكم بعرض الشاب وسر لذلك أهالي المدينة، أمسك الشاب بمزماره وبدأ النفخ فيه والمشي بطرقات المدينة، وما أن بدأ بسيره حتى بدأت تلك الفئران باللحاق به، تابع سيره حتى وصل لنهر ضخم عميق وإستمر بعزفه الساحر الذي جعل كل تلك الفئران تقذف بنفسها في النهر وموتها غرقاً، بقي الشاب مستمرا بالعزف حتى قفز آخر فأر في الماء وأنقذ بذلك المدينة من غزو الفئران ..وللحكاية تتمه.
غزو الفئران لـ أستراليا-غزو الفئران لـ أستراليا-غزو الفئران لـ أستراليا